من بعيد تساءلت : من اين له كل هذا الصبر لكي يرسم هذا العدد الكبير من الساعات المتماثلة ؟ اقتربت من اللوحة فشعرت انني كنت مخدوعا ، فالامر لا يعدو تقنية في الطباعة . وعن طريق الرواح والمجئ ، واكتشاف وحدات اخرى من المطرزات والنقوش التي تتكرر ، مسقطة على سطح صلب ، أدركت أن دلير شاكر يلصق انواعا مختلفة من الاقمشة الجاهزة على سطوح لوحاته الخشبية . لكن لو ان الامر اقتصر على هذا لكانت النتيجة سهلة الوصف كما هي محددة الأفق ، فالفنان ينتقي ثوبا ، او رقعا من قماش ، ويلصقها على سطح خشبي ، ما يعني اختيار مادة لتغطية مادة اخرى ، احلال مادة بدل اخرى ، استخدام مادة مشغولة صناعيا وتمتاز بالمرونة لستر مادة يابسة وخشنة. والحال إن ما نراه في معرض دلير شاكر أكثر تعقيدا من وجهة نظر فنية ، وقبل ذلك ، من وجهة نظر فكرية . ففنان معاصر مثله هو اقرب الى دور المنسق منه الى دور المؤلف . وفي عالم يمتاز بالوفرة في المواد الفنية ، تعد هذه المواد بسبب من طبيعتها الخاصة وامكاناتها الذاتية على التشكل والتأثير والتحفيز مقاييس جمالية في حد ذاتها . تطرح على الفنان بعد ذلك مشكلة الاختيار والتنسيق ومعرفة طبيعة المادة التي يعمل بها ، وما يريده منها ، ونوع الاختراقات التي يحققها فيها او من خلالها.
يعمل الفنان دلير شاكر ضمن هذا النسق الفني ، ومن الناحية التقنية يختار لا القماش وحده بل الورق ايضا ، وأنواع عديدة منه ، وبواسطة التلصيق يظهر تأثيرات بصرية متعددة المستويات وأشكالا تنمو ذاتيا اثناء العمل او عن طريق التنسيقات التي يجريها . والحال إن الفنان حتى وهو واثق من خياراته الأصلية بشأن المادة يستخدم الصبغة في عدد كبير من الاعمال لتطوير النتيجة الفنية والجمالية ، وطباعة اشكال زخرفية جاهزة على سطوح اعماله او على المساند والاطارات الجانبية لها . وتبدو لي بعض اعماله ناتجة عن تدخلاته الذاتية التي ترضي ذوقه ، او ترضي نزعته العاطفية في الحصول على سطوح باهرة مشغولة كليا ومليئة.
هناك سعة في الخيارات التي يعتمدها الفنان تقنيا وفنيا : القماش الجاهز الملصوق ، التلصيق الورقي ، الرسم ، تعدد الصبغة ، تعدد المواد ، الحصول على نسيج متنوع ، فتح نوافذ في السطح الخشبي وتغطيتها بأقمشة شفافة أو مثقبة . على الرغم من هذه السعة ، والفنان نفسه يشعر دائما انه ازاء عدم اكتمال او عدم رضا ما يجعله يعاود اعماله او يصنع نسخا متنوعة منها في محاولة منه الحصول على نتيجة ترضيه ، الا أن الكثير من اعماله الكبيرة تنمو من الناحية الانشائية العامة باتجاهين ، افقي وعمودي. قد يبدو هذا خيارا املته تجارب سابقة في اعتماد قياسات اعماله ، الا انه في النهاية يعمل على نموذجين من الانشاء ويلزم نفسه فنيا بهما ، فحتى عندما يريد الخروج منهما داخل العمل الواحد يمارس ضربا من الاطناب العاطفي مع كثرة في المعالجات التقنية.
تجربة دلير التقنية والنسيجية متنوعة جدا ، وبسبب هذا ، أرى انه سيجد التعبير الذي يناسب نموه الانشائي.
سهيل سامي نادر